تصف الكاتبة ماهيرا منير في مقالها أزمة المجاعة في غزة باعتبارها أكثر من كارثة إنسانية أو جريمة حرب، بل مشروعًا سياسياً حيوياً مخططاً بدقة.
تغلق إسرائيل المعابر، وتقيّد دخول المساعدات، وتطلق النار على المدنيين أثناء تجمعهم للحصول عليها، بهدف التحكم في من يعيش ومن يموت وتحت أي ظروف، في مشهد يشبه ما جرى في مجازر تاريخية مثل الإبادة في ناميبيا وحصار لينينغراد.

يوضح موقع ميدل إيست مونيتور، أن هذه السياسة ليست وليدة الصدفة، بل أُعلنت مسبقاً.
ففي أغسطس 2024 صرّح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن تجويع سكان غزة قد يكون "مطلباً أخلاقياً" لاستعادة الأسرى، رغم توقعه أن العالم لن يسمح بذلك.
إلا أن العام التالي شهد وقوع المجاعة على مرأى الجميع، ما كشف هشاشة النظام الدولي وعجز الأمم المتحدة، التي وصفت ما يجري بـ"المجاعة من صنع الإنسان"، عن وقف الاعتداءات الإسرائيلية.

ترى الكاتبة أن ما يحدث في غزة يجسد مفهوم "سياسات الموت" الذي صاغه الفيلسوف أشيل مبمبي، حيث تستخدم السلطة السياسية أدواتها لتأسيس "عالم موت" يهمش فئة معينة ويعرضها للفناء.
كما يتقاطع هذا مع فكرة الفيلسوف جورجيو أجامبن عن "الحياة العارية"، أي حياة تُجرّد من قيمتها السياسية وتترك للبقاء تحت رحمة القوة السيادية.
عبر صناعة المجاعة، تسعى إسرائيل إلى إنهاك الأجساد والعقول، واستبدال النضال السياسي بصراع للبقاء.

تنجح إسرائيل في فرض هذه السياسة ليس فقط بالقوة العسكرية والدعم الدولي، بل أيضاً عبر رواية إعلامية تجعل التجويع نتيجة عرضية لا خطة ممنهجة.
يُقدَّم الفلسطينيون دولياً على أنهم متلقو مساعدات أكثر من كونهم أصحاب قضية سياسية، بينما يبرر الإعلام الإسرائيلي منع المساعدات بأنه ضرورة لمحاربة المقاومة، قائلين: "لا يمكن أن نحارب بيد ونطعم بالأخرى".

تشدد الكاتبة على أن إدخال المساعدات إلى غزة ضروري، لكن الأهم هو مواجهة الرواية الإسرائيلية وعدم الانجرار وراء خطاب إنساني مجرد يفصل المعاناة عن سياقها السياسي.
غزة لا تحتاج فقط إلى الغذاء، بل إلى الحرية، وأطفال رفح وجباليا ليسوا أضراراً جانبية بل ضحايا في خط المواجهة.

تؤكد الصور ومقاطع الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعي قوة السرد المضاد: شاحنات مساعدات متوقفة عند معبر رفح، إنزال الغذاء من الجو عبر سلاح الجو الأردني، إيصال المؤن بحراً من مصر، وإرسال الإمارات وباكستان شاحنات إغاثة نحو غزة.

هذه المشاهد تحمل قيمة رمزية كبيرة، إذ تكشف للعالم عراقيل الاحتلال وتزيد الضغط عليه.
كما بدأت بعض القوى الغربية في مراجعة خطابها، وهو ما يتجلى في اعتراف فرنسا بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وخطط بريطانيا وكندا وأستراليا لاتخاذ خطوات مشابهة ما لم تلتزم إسرائيل بشروط معينة.

تختتم الكاتبة بأن المجاعة في غزة ليست مجرد أزمة إنسانية أو جريمة حرب، بل هي عنف وجودي يستهدف محو شعب من المعنى والسيادة والوجود نفسه.
إن تجويع الفلسطينيين جزء من الإبادة الإسرائيلية، تُنفذ "ملعقة بعد ملعقة"، والعالم مطالب بمقاومة هذا المشروع على المستويين الإنساني والسياسي.

https://www.middleeastmonitor.com/20250815-israel-is-engineering-starvation-to-redefine-the-meaning-of-life-for-palestinians/